الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

لله يدان

قال الشيخ العلامة ابن عثيمين في شرحه للسفارينية
البحث الثالث : هل اليد واحدة أو متعددة ؟
الجواب : أنها متعددة ، فلله تعالى أكثر من يد ،
فإذا قال قائل : كم لله من يد ؟
الجواب : نقول له يدان اثنتان ،
والدليل : قوله تعالى وهو يتمدح بكمال القدرة { ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ } ( ص 75 ) .
ولو كان له أكثر من اثنتين لقال : ( بأيدينا ) ،
لأن الأكثر أبلغ في القدرة من الأقل ،
فلما قال في مقام التمدح بالقدرة والقوة والتشريف لآدم لما قال : { بيديَّ } علم أنه ليس له إلا يدان اثنتان ،
ولما قالت اليهود : { يد الله مغلولة } ( المائدة 64 ) قال : { غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان } ( المائدة 64 ) وهذا في مقام الثناء على الله بكثرة العطاء ، ولو كان له أكثر من اثنتين لذكرها ، لأن المعطي بثلاث أكثر من المعطي باثنتين ،
ولكن الكمال كله لله عز وجل باليدين الاثنتين ،
فإذن لله تعالى يدان اثنتان ،
فإن قال قائل : قد جاءت النصوص بأن لله يداً واحدة كقوله تعالى : { تبارك بيده الملك } ( الملك 1 ) ، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يد الله ملأى سحاء ) ، فكيف تجمع بين النصوص ولماذا لم تقل إنه له يداً واحدة ؟
الجواب : نقول : من المقرر عند العلماء في الاستدلال : ( أنه إذا جاء دليلان أحدهما فيه زيادة أخذ بالزائد ) ،
لأن الأخذ بالزائد أخذٌ بالناقص وزيادة ،
ولو اقتصرت على الأخذ بالناقص لألغيت الزيادة التي جاء بها الزائد وهذا خطأ ،
فنقول : النصوص الدالة على اثنتين فيها زيادة فيؤخذ بها ،
فإذا قال قائل : هل يلزم من أخذك للزيادة وأن تجعل لله يدين ثنتين أن يهدر دلالة اليد التي جاءت بالإفراد ؟
الجواب : أقول : لا يلزم ،
وذلك لأن اليد التي جاءت مفردة جاءت مضافة : ( يد الله ملأى ) ، { بيده الملك } .
والمفرد إذا أضيف يكون عاماً ،
فيشمل كل ما لله من يد ولو زادت على الواحدة ،
وحينئذ لا معارضة بين مجيئها مفردة ومجيئها مثناة ،
فإن قال : أين الدليل على أن المفرد إذا أضيف يكون للعموم ؟
الجواب : فأقول : الأدلة كثيرة ،
ومنها : قوله تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ( إبراهيم 34 ) ونعم الله كثيرة وليست واحدة فقط .
بدليل : قوله : { لا تحصوها } ولو كانت واحدة لكانت محصاة ،
فإذا قال قائل : أنت أصَّلْتَ قاعدة وألزمتنا بها ونحن نقبلها وهو أنه إذا جاءت النصوص بزائد وناقص أخذ بالزائد ونحن نلزمك بناء على هذه القاعدة أن تجعل لله أكثر من يدين لأنه تعالى يقول : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا } ( يس 71 ) ويقول : { والسماء بنينها بأيدٍ وإنا لموسعون } ( الذاريات 47 ) فأثبت لله أكثر من اثنتين ؟
الجواب : فأقول : قد ذكرنا أن اليدين الاثنتين ذكرتا في مقام التمدح والثناء ،
وهذا يمنع أن يكون هناك زيادة عليهما ،
لأنه لو كان هناك زيادة عليهما لم يكمل التمدح والثناء ،
لأننا أثنينا عليه بما هو أنقص من كماله ،
إذا جعلنا الكمال في أكثر من اثنتين ،
فإذا قال : أنا أسلم ذلك لكن أجيبوني عن الجمع ؟
الجواب : فنقول : إن الجمع هنا نجيبك عنه بأحد أمرين :
إما أن نسلك طريق من قالوا : إن أقل الجمع اثنان :
وقالوا : إن أقل الجمع اثنان شرعاً ولغة :
أما لغة : فقد قال الله تعالى : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } ( التحريم 4 ) وهما اثنتان وليس لهما إلا قلبان بنص القرآن ، قال الله تعالى : { ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه } ( الأحزاب 4 ) فليس لهما إلا قلبان وقد جمع فقال : { قلوبكما } وهذا يدل على أن الجمع قد يراد به الاثنان ،
وأما شرعاً : فلأن الإنسان مأمور بصلاة الجماعة وإذا صلى اثنان أحدهما بالآخر صلى جماعة وهذه جماعة شرعية وهما اثنان ،
فإذن يكون قوله تعالى : { مما علمت أيدينا أنعاماً } كما لو قال : ( مما عملت يدانا أنعاماً ) ،
لأن المدلول واحد ،
أو نقول : إن أقل الجمع ثلاثة ،
لكن الجمع هنا لا يراد به حقيقته وإنما المراد به التعظيم ، كما قال الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر 9 ) .
فقوله : â ك`ّtwU $uZّ9¨“tR ل هذه ضمائر جمع ،
لكن المراد بها التعظيم ،
فالأيدي هنا المراد بها التعظيم تعظيم اليد ،
وهناك أيضاً مناسبة لفظية وهي أن أيدي أضيفت إلى ( نا ) الدالة على الجمع ،
فكان جمعها أنسب للمضاف إليه من التثنية ،
ولهذا قال : { بل يداه } ( المائدة 64 ) ولم يقل : ( لما خلقت بيدينا ) ، بل قال : { بيديَّ } ( ص 75 ) .
أما لما أضافها الله عز وجل إلى ضمير الجمع الدال على العظمة فكان المناسب أن يجمعها ليتطابق اللفظان ، ولا يحصل بينهما تناقض ،
وهناك وجه ثالث : لم يرد صيغة الجمع ورود صيغة المثنى ولا المفرد ورود صيغة المثنى ،
المثنى فيه التصريح بأن الخلق كان باليدين ،
والجمع ليس فيه التصريح بأنه بالأيدي ،
الآية الثانية : وهي قوله تعالى : { والسماء بنيناها بأيدٍ } ( الذاريات 47 ) والباني هو الله عز وجل ،
وعلى هذا فيكون لله أيدي كثيرة ؟
والجواب عن هذه الآية سهل جداً :
وهو أن نقول : ( أيد ) هنا ليست جمعاً ،
ومن قال : إنها جمع فهو واهم لا يعرف سياق الكلام ولا يعرف اللغة العربية ،
فـ ( أيد ) ، هنا مصدر ،
وليست اسماً لليد ( أيد ) مصدر فعلها آد يأيد ،، ،
والمصدر أيداً كباع ، يبيع بيعاً ، هي مصدر ( آد ) ،
ومعنى ( آد ) أي قوي فمعنى بأيد أي بقوة ،
فيكون المعنى أن السماوات قوية كما قال تعالى : { وبنينا فوقكم سبعاً شدادا } ( النبأ 12 ) .
ويدل لذلك : أن الله لم يضف الأيد إلى نفسه ،
فإذا قلت : إن ( أيد ) هنا المراد بها يد الله فقد أخطأت خطأ عظيماً وقلت على الله ما لا تعلم ، لأن الله ما أضاف الأيد إليه ،، فكيف يصح منك أن تضيفها إلى الله ؟
(
محمد بن صالح العثيمين ، شرح العقيدة السفارينية ص256-259 )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.